بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي سبق حلمه غضبه ولولا هذا لهلك أهل الأرض
والسماء الحمد لله الحليم القدير سبحانك يارب ما أعظم شأنك وما أجمل رحمتك0
والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن أتبعه
بإحسان الى يوم الدين0
أخي أختي معظم الناس وخصوصا في بلادنا العربية تغيرت أخلاقهم وطباعهم
وأصبحوا قليلي الصبر عندما تسير في الشارع تجد الإبتسامة إنتزعت من وجوه
البشر وإذا أصطدمت بفرد نتيجة الزحام أو السرحان تجد الذي اصطدمت به سواء
كان ذكراً أو أنثي يريد أن يمحوك من على وجه الأرض أو تسمع منه ألفاظ أو
كلمات تعكر البحروإذا إلتزمت بيتك وشاهدت التلفاز تجد إثنان يتحاوران لو
طال أحدهم سيف ليقطع به رقبة من يناظره لفعل ومما يحز في نفسي عندما أجد
رجل يتكلم بإسم الدين لا يعير من يناظره أهمية بل يصنع مراكب ورقية ويخلع
حذائه ليضعه على المنضدة إستهزاء بالآخرين وآخر يخلع حذائه يريد أن يضرب به
من يناظره أمام مذيع من أهل الكتاب هذه النماذج تسئ الى دين الله والى
المسلمين والى بلدنا الحبيبة مصر0 لماذا هؤلاء لا يتمتعون أو يحاولوا أن
يتمتعوا بهذه الصفة التي يحبها الله0 والى حضراتكم الموضوع
الصفة التي يحبها الله في عباده
يعلو المرءُ بالإيمان وحسن الخلق، وترتقي منزلته عند الله بالجمع بينهما،
قال - عليه الصلاة والسلام -: «أنا زعيم - أي: ضامنٌ - ببيتٍ في أعلى الجنة
لمن حسُن خُلُقه»؛ رواه أبو داود.
والحِلْمُ أساس الأخلاق ودليل كمال العقل وامتلاك النفس، والمتّصفُ به عظيم الشأن، رفيع المكانة، محمود العاقبة، مرضِيُّ الفعل.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "الحلم والصبر على الأذى والعفو عن الظلم
أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة، يبلغ بها الرجل ما لا يبلغه بالصيام
والقيام".
وهو من الخِصال التي يُحبُّها الله في عباده ووَعَد من آمن واتَّصَف به
بالمغفرة والجنة، قال - سبحانه -: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران:
134]، قال ابن كثير - رحمه الله -: "أي: لا يُعمِلونَ غضبَهم في الناس؛ بل
يكُفُّون عنهم شرَّهم، ويحتسِبُون ذلك عند الله".
وأحقُّ المُتَّصفين بالحلم هم الرسل، قال الفضيل - رحمه الله -: "من أخلاق الأنبياء: الحِلمُ والأناة وقيام الليل".
والله أثنى على إبراهيم - عليه السلام - بالحلم في قوله: إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ [هود: 75]، وبُشِّر بغلامٍ
مُتَّصفٍ بالحلم: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ [الصافات: 101].
ونوح - عليه السلام - دعا قومه إلى عبادة الله، فجعلوا أصابعهم في آذانهم
استكبارًا عليه، وقالوا عنه: مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ [القمر: 9]، فحَلَم
عليهم ألف سنة إلا خمسين عامًا.
وموسى - عليه السلام - رماه قومُه بالجنون وتحدَّوه بالسحر وائتَمروا عليه
ليقتلوه، فحَلَمَ عليهم فبرَّأه الله مما قالوا، وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ
وَجِيهًا [الأحزاب: 69].
وحكى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نبيٍّ من الأنبياء ضربَه قومُه
فأدمَوه، فكان يمسح الدمَ عن وجهه ويقول: «رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»؛
متفق عليه.
ونبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - لاقَى الأذى والسخريةَ من قومه، وكان
يقول لعائشة - رضي الله عنها -: «لقد لقيتُ من قومك ما لقيتُ»، ومَلَكُ
الجبال يأتيه ويقول له: إن شئتَ أن أُطبِق عليهم الأخشَبَيْن فعلتُ، فقال:
«بل أرجو أن يُخرِجَ الله من أصلابهم من يعبُد الله وحده لا يشرك به
شيئًا»؛ متفق عليه.
ورآه أعرابيٌّ فجَبَذَه بردائه جذبةً شديدةً حتى أثَّر في عُنقه، وقال: يا
محمد! مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي - صلى الله عليه
وسلم - وهو يضحك، وأمر له بعطاء؛ متفق عليه.
وامتد حِلمُه إلى الخَدَم، قال أنس - رضي الله عنه -: "خدمتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي أُفٍّ قط".
وأثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على من اتَّصَف بالحلم من الصحابة،
فقال لأشجِّ عبد القيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة»؛ رواه
مسلم.
وأبو بكر - رضي الله عنه - سبق غيره بالإيمان وكمال الصحبة، وبما تحلَّى به
من صفاتٍ عظيمة، فشهِدَ له الصحابة بذلك؛ قال عمر - رضي الله عنه -: "أبو
بكر أحلمُ منِّي وأوقَر".
والشجاعةُ في قوة القلب وثباته، فلا يُزعزِعُه قول جاهل ولا فعلُ سفيهٍ،
والقوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب فيفعل ما يُصلِحُه، أما المغلوب
حين غضبه فهو ضعيف، والنبي - صلى الله عليه وسلم - مَدَحَ مَن مَلَكَ نفسه
عند الغضب، فقال: «ليس الشديد بالصُّرَعة، ولكن الشديد من يملِكُ نفسَه
عند الغضب»؛ متفق عليه.
واحتمالُ السفيه خيرٌ من التحلِّي بصورته، والإغضاء عن الجاهل خيرٌ من
مُشاكَلَته، ومن سَكَتَ عن جاهلٍ فقد أوسعه جوابًا وأوجَعَه عقابًا، قال
رجلٌ لضرار بن القعقاع - رضي الله عنه -: واللهِ لو قلتَ لي مسبَّةً واحدة
لسمعتَ مني عشرًا، فقال له ضرار: "لو قلتَ عشرًا لم تسمع منِّي واحدةً"،
وشتَمَ رجلٌ الشعبيَّ - رحمه الله - فأجابه بقوله: "إن كنتُ كما قلتَ فغفر
الله لي، وإن لم أكن كما قلتَ فغفر الله لك".
ومن صفَحَ عن الخلق عفا الله عنه، قال ابن القيم - رحمه الله -: "يُعامَلُ
العبدُ في ذنوبه بمثلِ ما يُعامِلُ به العبدُ الناسَ في ذنوبهم، والجزاءُ
من جنس العمل، فمن عفا عفا الله عنه، ومن سامَحَ أخاه في إساءته إليه
سامَحَه الله في إساءته، ومن أغضى وتجاوز تجاوز الله عنه، ومن استقصى
استقصى الله عليه".
والغضبُ مُفسِدٌ للأخلاق والأعمال، وللعقل والمروءات، قيل لابن المبارك -
رحمه الله -: اجمع لنا حُسْن الخُلُق في كلمة، قال: "ترك الغضب".
وتركُ الغضب وصيةُ الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ جاءه رجلٌ فقال:
أوصِنِي، قال: «لا تغضب»، فردَّدَ مرارًا، قال: «لا تغضب»؛ رواه البخاري.
قال الراوي - رضي الله عنه -: ففكَّرتُ حين قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال، فإذا الغضبُ يجمعُ الشرَّ كله.
والعقل ينقُصُ عند الغضب فيُؤدِّي إلى قول الباطل وكتم الحق، ومن دعاء
النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أسألك كلمةَ الحق في الغضب والرضا»؛ رواه
النسائي.
ويمنع من القول في العدل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يقضِيَنَّ حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان»؛ متفق عليه.
وقد يخسر المرءُ شيئًا من ماله بسبب الغضب، قال جابر - رضي الله عنه -:
سِرْنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوةٍ ورجلٌ من الأنصار على
ناضحٍ - أي: بعيرٍ - فتَلدَّنَ عليه بعض التلدُّن - أي: تلكَّأ عليه -،
فقال لبعيره: "لعنك الله"، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم -: «من هذا
اللاعِنُ بعيرَه؟»، قال: أنا يا رسول الله، قال: «انزل عنه فلا تصحَبْنا
بملعون، لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على
أموالكم، لا تُوافِقوا من الله ساعةً يُسألُ فيها عطاءٌ فيستجيبُ لكم»؛
رواه مسلم.
قال ابن رجب - رحمه الله -: "فهذا كله يدلُّ على أن دعاء الغضبان قد يُجابُ
إذا صادَفَ ساعةَ إجابة، وأنه يُنهَى عن الدعاء على نفسه وأهله وماله في
الغضب".
وإذا غضِبَ الإنسانُ قال ما لا يعلم، وندِمَ على ما قد يعمل؛ من عقوق
والدَيْه، أو قطع رحِمِه، أو مُفارقة زوجِه، أو قطع رزقه، أو هجران الأصحاب
له، أو الاعتداء على الآخرين، أو صدور أقوالٍ محرَّمةٍ منه؛ من قَذفٍ
وسِبابٍ وفُحشٍ وأنواعٍ من الظلم والعدوان، ويتولَّد من ذلك: الهمُّ
والوحشة والحزن والوحدة، وقد يُعاقَبُ على ما بَدَرَ منه في غضبه بحدٍّ أو
تعزيرٍ، أو عقوبةٍ في الآخرة.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرُ من غَضِبَ بتعاطِي أسبابٍ تدفَعُ
عنه الغضب، فأمر بالتعوُّذ من الشيطان؛ لأنه سبب الغضب والعدوان، رأى النبي
- صلى الله عليه وسلم - رجلاً مُغضبًا قد احمرَّ وجهُه، فقال: «إني لأعلمُ
كلمةً لو قالها لذهبَ عنه ما يجِد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم»؛ متفق عليه.
ونهى الغضبانَ عن الكلام سوى الاستعاذة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا غضِبَ أحدكم فليسكت»؛ رواه أحمد.
فإن كان بقُربه ماءٌ توضَّأ، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن الغضب من
الشيطان، وإن الشيطان خُلِقَ من النار، وإنما تُطفَأُ النارُ بالماء، فإذا
غضِبَ أحدُكم فليتوضأ»؛ رواه أحمد.
وأمَرَه بالتحوُّل عن الهيئة التي هو عليها، قال - عليه الصلاة والسلام -:
«إذا غضِبَ أحدُكم وهو قائمٌ فليجلِس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجِع»؛
رواه أبو داود.
ومن شرف النفس وعلُوِّ الهمَّة: الترفُّع عن السِّباب، وفي الإعراض عن
الجاهل صَونٌ للعِرضِ والدين، ومن صفات المؤمنين: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ
الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان: 63].
ومن غضِبَ فعليه أن يتذكَّر حِلْمَ الله عليه، وأن يخشى عِقَابَه، فقدرةُ
الله عليك أعظمُ من قدرتك على الخلق، وليتذكَّر ما يُؤدِّي إليه الغضبُ من
الندم والحسرة، وليحذَر عاقبةَ العداوة والانتقام وشماتة الأعداء
بمُصَابِه، والمؤمنُ يستشعِر ثوابَ العفو وحُسن الصفح، وأن الدنيا أهون من
أن يُغضَب لها، فيقهر نفسه عن الغضب، ومن لم يكن حليمًا فعليه أن يدفع نفسه
للحِلم، قال الأحنف: "لستُ بحليمٍ ولكني أتحَالَم".
وإذا خالَفُ المرءُ ما يأمره به غضبُه، وجاهَد نفسه على ذلك، اندفع عنه
شرُّ الغضب، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ
بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات
والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ،
فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.